ديـواني الشعري

قميصٌ قُدّ من جَنْبً

شرقاً باتجاه ولاية صُور, المدينة الساحلية العُمانية الساحرة, أول بقعة تطل عليها الشمس في الوطن العربي, كان الشعر هناك, حين أقيم مهرجان الأدب والفن لشباب دول مجلس التعاون الخليجي الرابع الذي أقامته وزارة الثقافة والتراث العُمانية, واجتمعت فيه وفودٌ من دول الخليج الستة تضم جميعها شاعراً فصيحاً وشاعراً شعبياً, وخطاطاً وفناناً تشكيلياً ومصوّراً ضوئياً. وتشرفت بتمثيل الكويت في الشعر الفصيح.. واستهللت القصيد بتحية الجمهور العماني الجميل:

همسن النخل لي: يا من أتانا
توضأ قبل أن تلقى عمانا

عُمانٌ.. حيث مر الحبُّ يوماً
ففجر إثر خُطْوته الجِنانَ

ًوأنبت من شغاف الأرض شعبا
همُ أعلى برايا الكون شانا

أماءتْ لي خناجرها وقالت
هَلُمَّ إليّ أُعطيك الأمانَ

 

قميصٌ قُدّ من جنْبٍ


مذ أُلهمت أمّه في اليمّ تقذفه
أنا على الشاطئ الغربيّ ألقفه

قد أرسلتني السما عيناً له فأنا
حامي النبيِّ وراويه ومُردفه

وحارس الغيبِ إلا أنني بشرٌ
لا حظّ لي باستراق السمع أخطفه

يجري به اليمّ في درب إلى جهة
كأنه قبل كون الكون يألفه

ما كان ذاك طريقا شقّه قلمٌ
من قبل أن ان ذللت مسراه أحرفه

ومد ربك من أعماق منبعه
كفاً من الماء للتابوت تجدفه

ماجاء قصر الندى كيما يكون به
عبداً لسيده.. بل جاء يخلفه

****

لما استوى حيرةً.. واشتد أسئلةً
قد كنت من حِكم الازهار أتحفه

نجالس الصقر نثني عنده ركبا
نشتم حرية مما يرفرفه

ونطلب العلم عند الماء في حِلقٍ
كل التلاميذ من تقواه تغرفه

وكم لمزنا هلالاً في نحافته
ولم نزل بقبيح الوصف نقذفه

حتى عقلنا وأدركنا حقيقته
أن كان من عفة فيه تجوّفه

ورب ليل تراشقنا بأنجمه
لهوا كما صدف في البحر نحذفه

نجرّ شمس الضحى من شعرها هرباً
إلى ظلام الهدى والبدر نخسفه

وكلما اصطاد معنى جاء يتحفني
كما أنا بجديد الصيد أتحفه

وجاءني فزعاً من فكرة سقطت
برأسه من سماء الغار تنزفه

يقول يا خل دثرني بقافية
فبت بالشعر والأوراد ألحفه

أدركت أن الفتى مستأمن وله
سر اذا أزف المعنى سيكشفه

اذهب فأنت نبي العصر أرسله
إلى الطواغيت والانسان مُصحفه

***
وعشت وحدي سؤالا لا جواب له
إن إذرف الشك لا شيخا يكفكفه

غريب مصطلح يمشي يفتش ما
بين المعاجم عن باب يعرفه

صياد فكر يجوب البحر قرصنة
في كل بحر علوم غاص مجدفه

أقلب النص تأويلا أحققه
لعله قد نسى إسمي مؤلفه!

أفلسف الكون والأشياء منتشيا
والخبز بين يدي أيضا أفلسفه

أعيد تسمية الأشياء من أزل
ولو كرهت بها معنى أحرفه

وفوق رأسي يحوم الشك طائرة
تهوي على مركز الإيمان تقصفه

أحاكم الكون في قاعات محكمتي
والكون يعلم أني لست أنصفه

أحاكم الناس من أنتم وما دمكم
وما يريد الفتى منكم ويهدفه

وثم فنجان شاي انتشيه عسى
أن أرشف الحكم فيهم حين أرشفه

هل الوجود حقيقي فألمسه
أم أنه حلم والناس زخرفه

هبني وحيدا وهذا الكون كلفني
ألم يجد أحدا غيري يكلفه؟

تقلد الناس دور الناس توهمني
حقيقة الكون حتى صرت آلفه

إذا تلفت طرفي نحوهم شغلوا
ويصبحون جماداً حين أصرفه

فمن أنا؟ يا سؤالا بات يطرحني
وبت بالعفو والحسنى أحلفه

***

أنا المريد بدرس في السماء به
شيخ الطريقة نحو الله يردفه

أقام في الغار يدعو الله معتزلا
مخشوشنٌ جفف الدنيا تقشفه

ليت التصوفَ جسرٌ كنت أعبره
إلى الحقيقة أو جحر فأزحفه

لكنه حالة غاب المريد بها
إلى مكان زمان لست تعرفه

وفي براءة إيمان العجائز ما
لم يستطع للفتى شرحا تصوفه

أستغفر الله إلا من مساءلتي
والعبد في البحث لا يرجى تأسفه

***
أنا النذير لقوم أحرقوا بلدا
فأصبح الناس بالخوان توصفه

أنا المواطن مصلوب على وطن
النخل يعرفني فيه وأعرفه

يُسقى به الورد من دمع أهل على
قميص عثمان والثوار تقطفه

سيذكروني يجرون البكا أسفا
وحيث لا ينفع الباكي تأسفه

لكن عذرا أتي من بعد ما انكسرت
قارورة الروح قل لي أين أصرفه؟

ماكنت أعزف من كرد ومن عجمٍ
على مقام الصبا أصبحت أعزفه

فليت أمسي ثوب كنت أخلعه
أو ليت حلمي دمع كنت أذرفه

أصبت همين.. همّ غير منكشف
وآخرٌ كادت الأحلام تكشفه

وكلفتني الصحارى من مبادئها
مالم تكن أكتف التقوى تكلفه

وراودتني من الأفكار أضعفها
جسماً وأفتك ما في النهد أضعفه

قدّت قميص يقيني يا لها امرأة
وهي التي من خيوط الوهم تخصفه

الآن أزرار عمري بعدما انفرطت
قد ادركت ان أوفى الحب أعنفه

ما زال يعقوب أعمى في ضلالته
حتى أتى بقميص الحب يوسفه

 

 

5 Comments

  • **

    كُلُ الحَواَسِ هُنَاَ تُعَانِقُ شَجَاكِ …!
    هُنآ استتبَ ( الجمَآل ) فَ ألجمَ صَمتِي عنَ الكلآم.

  • فجر

    السلام عليكم…
    اشتقت كثيرا للمدونة 🙂 … اتمنى انكم بخير
    بوركتم لما كتبتموه…فعلا روعة
    أستغفر الله إلا من مساءَلتي …والعبدُ في البحث لا يرجى تأسفه
    أفصحت بالذنب عند النهر.. ملتمساً منه الخلاص لعل النهر يجرفه

    كلمات روعة و هذا لا يتاتى الا لشاعر يقف على ارض خصبة من الثقافة و الابداع
    بوركتم اخي الكريم و حفظكم الله
    بالتوفيق.. 🙂

  • صالح

    قصيدة جميلة .. و لكن هل تقصد أحدا في مقدمتك
    اتمنى أن تجيبني إذا أحببت

  • جريدة سبر الكويت

    القصيدة رائعة ومعبرة جداً..
    ليت التصوّفَ جسرٌ كنت أعبُره
    إلى الحقيقة أو جحرٌ فأزحفُه

    لكنه حالةٌ غاب المريد بها
    إلى مكانٍ/ زمانٍ لست تعرفه

    كلمات لمست قلبى انت حقاً فنان فى اختيارك
    فى انتظار الجديد ….

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *