عــام

الفتاة الإيطالية التي دخلت غزة

37131_121385427920204_114082378650509_140638_1862209_nعند وصولنا  إلى معكسر الطلائع في مدينة اللاذقية السورية.. كانت الوفود الأوروبية لقافلة شريان الحياة قد سبقتنا إلى هناك, كذلك كان وفد المغرب العربي موجودا.. ركنّا سياراتنا التي أتينا بها من عمّان ثم سرت في جولة استكشافية للتعرف على مرافق المعسكر..

معسكر الطلائع: مدرسة عسكرية لطلبة الكشافة السورية, ساحة كبيرة على أطرافها مهاجع متجاورة تتكون من باب وشباك وأسرّة ذات طابقين, وفي الناحية الأخرى البعيدة دورات مياه ربما تحتاج لأربع دقائق من السير لوصولها, وفي قلب المعسكر توجد المنصة الرئيسية المخصصة لقادة المعسكر والتي كان يستعملها أعضاء القافلة للاجتماع..
لا أخفيكم أن الوضع في المعسكر لم يكن مريحاً حيث أنه لم يكن مهيّأً لمتضامنين بينهم نساء وكبار سن.. ناهيك عن نظافته “المش ولا بد” وافتقاره لأساسيات وضروريات العيش.. ولا أخفيكم أن البعض اشمأز من المكان وقرر الذهاب إلى فندق.. أما باقي الأعضاء رأوا أنها “قازرة”.. على أمل أن المكوث في المعسكر لن يدوم أكثر من 3 أيام, فقريباً ما ستوافق السلطات المصرية للقافلة بالتحرك للعريش ومن بعدها ننطلق إلى غزة ونترك هذا المكان غير المريح.. لم نكن نعلم حينها أن مكوثنا في المعسكر سيمتد إلى 3 أسابيع انتظاراً للموافقة!

وعلى أية حال.. كنت حريصاً على التعرف على أكبر عدد ممكن من أعضاء القافلة من المشرق والمغرب العربي خصوصاً المتضامنين ا72398_147406205304053_117840051594002_259483_7117390_nلأوربيين الذين كان لي فضولاً كبيراً لمعرفة سبب تضامنهم مع غزة.. فلذلك دعوني أعرض لكم نماذجاً  عجيبة غريبة من المتضامنين معنا في القافلة.

أولهم كانوا مجموعة من الايرلنديين الذين سألتهم عن سبب تضامنهم فقالوا: نحن في ايرلندا نعاني كما يعانيه الفلسطينيون من احتلال.. فنحن مازلنا تحت الانتداب البريطاني القاهر الذي ما زال يذل شعبنا ويصادر حريتنا.. لذلك نحن أكثر الشعوب شعوراً بمعاناة الفلسطينيين!

أما أبعد المتضامنين عن فلسطين هم المتضامنون من نيوزلندا.. ولك أن تتصور أنهم قطعوا نصف الكرة الأرضية ليصلوا إلى بريطانيا.. ثم ساروا بالسيارات إلى غزة قاطعين قارة أوروبا كلها! سألت أحدهم ما جاء بكم؟ قال: نحن كنا تحت الاحتلال البريطاني لعقود طويلة وعانينا الاضطهاد والذل.. ثم استقلينا أخيراً بعد نضال وكفاح سالت فيه الدماء على الشوارع.. لذلك نحن لسنا نطالب بتحرير فلسطين فحسب.. بل نحن ندعم خيار المقاومة التي تمارسه حماس.. ونرفض خيار المساومة التي يمارسها عباس!! الله أكبر.. ما زلت مصدوماً من هذا الجواب! وتبدو صورة أحدهم مرتديا تيرشيرت أسود كتب عليه “المقاومة” بالأحمر !!!

هل تذكرون المصارع Hulk hogan؟ كان لدينا أحد المتضامنين البريطانيين يشبهه تماماً.. مفتول العضلات ومدرع بالسلاسل التي لفها حول رقبته ويده وقد أوقف جلده معرضاً للرسومات والوشم.. أول فكرة خطرت ببالي حينما قابلته لأول مرة: إلهى مالذي أتي بهذا من حلبة المصارعة إلى هنا؟!!
لكنه كان أنشط أعضاء القافلة في خدمة المتضامنين وترتيب المعسكر وتنظيفه وتحميل الاداوات الطبية الثقيلة وإدخالها في الحافلات.. غير ذلك ما رأيته من حسن تعامله مع الآخرين..
وبينما هو بيننا.. إذ وصل إليه خبر وفاة والده.. ولا أحتاج لشرح قدر ألم فقدان الأب.. توقعنا عودته لكن صاحبنا أبى إلا أن يدخل غزة وألا يرجع إلى دياره.. ولما كانت الأيام الأخيرة قبل الانطلاق إلى غزة.. إذ وصل إليه خبر مرض زوجته التي تبدو أنها في صحة متدهورة.. هنا اضطر أخيراً صاحبنا للرجوع.. رجع وكان يبكي بكاء الأطفال لعدم تمكنه من إكمال الرحلة إلى غزة وإيصال المساعدات!.. تخيلوا معي شكله الغريب وتفكروا بعظمة المبدأ الذي يحمله في قلبه!

أما المفاجأة الأخيرة.. هي تلك الفتاة الإيطالية الشابة, التي كانت تثير القلق من شكلها المريب.. فالوشم من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها, وحلقات الأذن تملأ أنفها وشفاها وأذنها.. والله أعلم أين أيضاً.. ولم يكن لبسها محتشماً في الأيام الأولى لولا أن أوعزت إدارة القافلة لها بالاحتشام قليلاً مراعاة للمتضامنين العرب..
رأيتها ذات يوم واقفة أمام أطفال فلسطينيين في مخيم اللاجئين وهي تلعب بثلاث كور صغيرة تتقاذفها بيدها ثم تتبعها بحركات بهلوانية حاملة بيدها عصاة تقلبها بيدها بخفة.. وقفت أشاهد العرض المجاني.. وكلي فضول لمعرفة مالذي أتى بفتاة بهذا الشكل من البارات والمراقص إلى هنا لتدخل معنا غزة!!؟ وبعد التصفيق سألتها ما معنى هذا الوشم الذي في يديك؟
فأجابتني بالانجليزي المكسّر: هذا الوشم للحماية, وهذا الوشم للحظ, وهذا الوشم الذي يوصلني بإله الحياة وهذا لإله القمر وهذا لإله….. !! وبعد أن عددت لي أسماء 10 آلهة سألتها..
–  من أين أنتي؟
– من ايطاليا
– ومن أي مدينة فيها؟
– من لا مكان.. فأنا أعيش في Caravan وأتنقل من مدينة لأخرى وأجول بين القرى لأقدم عروض السيرك..
-إذاً أنتِ تعملين في السيرك؟!
– نعم وقد جمعت محصول سنتين حتى أدفع تكاليف انضمامي لهذا القافلة!
– ومالذي دفعك إلى ذلك؟!
– لست مثالاً جيداً للفتيات.. لكنني أعمل في السيرك من مدينة لأخرى حتى أرسم الابتسامة على الأطفال.. واليوم أريد أن أرسمها على وجوه أطفال غزة!

 

18 Comments

  • لا بدّ من حب

    .

    صدقت أخي طلال .. فسبحان الذي نزع الرحمة من قلوب من هم أولى بها و ألقاها في قلوب هؤلاء الذين لا صلة لهم بالإسلام !

    جزاكم الله خيرًا و جعلكم ذخرًا و سندًا لهذه الأمة

  • someone

    اشعرتني بالخجل من البرودة والسلبية التي نعيشها ..

    بس دام عدنا اسود شراتك يا بو عثمان من خيرة الرجال ان شاء الله الامور طيبة وتبشر بخير

    يارب سألتك باسمك العظيم الاعظم ان ندخل الاقصى فاتحين محررين .. اللهم آمين

    تحية من القلب يا بو عثمان .. والله محيي البطن اللي حملك

  • Princess Sara

    يا حظك بهاللحظات و هالمواقف.
    اجمل لحظات الحياة لما يصير الحلم حقيقة
    و ها هو واحد من أحلامك السامية تحقق!
    مشكور من أعماق القلب لأنك عطيتنا
    الفرصة نشوف شنو شفت و نعيش الجو اللي عشته.

    بصراحة نطمع بالمزيد و ناطرينك،
    تحياتي

  • هـديــل

    أمنيتي أن أرى فلسطين من الحدود فقط.. و لكن بإصراركم و عزيمتكم ..طمعت كثيرا فالآن أمنيتي أن أصلي هناك!

    و الله لأخجل من المواقف التي ذكرتها .. و لا أستطيع التعليق..

    شكرا شريان الحياة ..

    شكرا شريان الحياة ..

    لأنكم بعثتم فيهم معنى الحياة..

  • بنت أبي

    كم يتمزق قلبي عند سماع أو مشاهدة تلك النماذج
    أمثال ريتشل كوري و جورج جالاوي وتلك الفتاة الإيطالية
    نحن أولى منهم بإظهار تلك الرحمة تجاه إخواننا
    لا حول ولا قوة إلا بالله
    أسأل الله لها ولأمثالها الهداية , فالرحمة والنصرة وحدهما لا يكفيان
    ولو كفت لكان أولى بها عم المصطفى ” صلى الله عليه وسلم “

  • احمد

    فعلا بخصوص الايرلنديين انا عايش في ايرلندا بسبب الدراسه وهم من اكثر الشعوب المناصره او المتعاطفه مع القضيه الفلسطينيه.

  • غانم

    ما أجمل الباعث الإنساني الذي حضهم على المشاركة في قضية بعيدة كل البعد عن همهم اليومي.
    قصص مؤثرة…..قاتل الله التربية التي لا تعزز شعورًا بالحميّة و”الفزعة” الحق تجاه المنكوبين والمظلومين.
    وفقك الله ياطلال.

  • منال العزه

    برغم الاختلاف بين افراد القافله في كل شئ….الدين واللغه والشكل والحياه….الا ان الجميع اشترك في شعار واحد:viva palestina
    نعم…كنا نعجب من هؤلاء الاجانب المصرين على دخول غزه ونصرة اهلها…ونشعر انفسنا صغارا امام تضحيات بعضهم…واصبحنا نعجب كيف يجلس بنوا جلدتنا وديننا دون بذل اقل القليل وهو زيارة اهلنا في غزه والشد من أزرهم

    نتمنى ان نرى اليوم الذي تتسابق فيه الامه كلها على الوصول لغزه وللاقصى…عسى ان يكون قريبا ان شاء الله

  • Dream flow

    يااااااااهـ

    يالتلك المواقف المبكيه :/

    أهداف عظيمهـ

    وأحداث أكثر من إنسانيهـ

    لم يجمعهم سوى رغبة الحرية

    الـ بقاء

    والحس النبيل

    لـ نبضِ غزهـ

    أينَ نخوةُ العرب تقرأ وتتعِض !

    هي في سبات !

    لكني أجزمـ أنها ستستيقظُ يومآ

    وتلوحُ بأزاهيرِ النصر

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *